العمالة الوافدة: حلقة مفرغة وبطالة مركبة

{title}
أخبار الأردن -

أحمد حمد الحسبان

مرة أخرى تحاول وزارة العمل ضبط سوق العمالة الوافدة، بتشجيع المخالفين على إصدار تصاريح عمل لهم، وسط قراءات مبدئية بأن الإجراءات الجديدة لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، وأن تعقيدات هذا الملف تبقى على درجة عالية من الصعوبة.

فلا السوق المحلية قادرة على الاستغناء عن تلك العمالة، ولا الخزينة العامة تحصل على حقها من الرسوم المفروضة على التصاريح التي تمنح لهم، ولا البطالة المركبة التي طالت الوافدين أيضا قادرة على التأثر إيجابا بما اتخذ من إجراءات مماثلة، بوجود الكم الكبير من العمال غير الأردنيين المخالفين.

والأصعب من ذلك، تلك الفوضى التي تعم القطاع، حيث يواصل العمال انتقالهم من قطاع إلى آخر بشكل غير رسمي، وبدون تصاريح قانونية، حيث تتضرر قطاعات حيوية مثل قطاع الزراعة من تلك الممارسات وتعاني قطاعات أخرى مثل البناء من فائض كبير.

فبينما تسجل البطالة بين الأردنيين ارتفاعات كبيرة تختلف المصادر في تقديرها، وتجمع على أنها لا تقل عن 23 بالمائة، تواصل الحكومات المتعاقبة الإعلان عن إجراءات تقول إن هدفها ضبط العمالة الوافدة في السوق التي تعاني من الفوضى، حيث مئات الآلاف من العمال الوافدين ومن شتى الجنسيات يعملون في البلاد دون ترخيص رسمي، ولم تفلح كل الإجراءات المتخذة من حكومات سابقة في الوصول إلى ترتيبات تقونن أوضاعهم، وتلامس نسبة المخالفة بينهم والتي تقدرـ بحسب مصادر غير رسمية ـ بأكثر من خمسين بالمائة.

الإجراءات الجديدة التي أقرها مجلس الوزراء قبل أيام، حددت مدتها بثلاثة أشهر، على أن يجري تقييمها بعد ذلك لمعرفة مدى استجابة العمالة الوافدة لها، وصولا إلى قرار آخر، إما بوقفها، أو تعديلها، أو السير في اتجاه مختلف بعض الشيء. بينما تتحدث مصادر حكومية عن وجود مليون عامل وافد في الأردن، أكثر من نصفهم غير حاصلين على تصاريح عمل.

تلك المعلومة يراها البعض ناقصة بحكم أنها لا تشمل العمالة السورية التي أعطيت الحق بالعمل دون أي قيود، وغالبيتهم يمارسون نشاطا عماليا يقبل عليه الشباب الأردني وبخاصة العمل في المطاعم ومحلات الملابس والخدمات العامة دون تصاريح عمل رسمية أو بموجب تسهيلات تتمثل بالتسجيل التي تمنح لهم دون رسوم ودون الدخول في أي حسابات أو إحصاءات تتعلق بالعمالة الوافدة. كما أنها لا تشمل العمالة اليمنية والسودانية واللاجئين من بعض الدول.

التعليمات الجديدة التي حددت الحكومة عمرها بثلاثة أشهر، وسعت من دائرة الحركة للعمال الوافدين، حيث سمحت بالانتقال من مهنة إلى أخرى، ومن صاحب عمل إلى آخر، تحت عنوان تشجيع غير الحاصلين على تصاريح عمل لتسوية أوضاعهم والحصول على تصاريح تنظم أوضاعهم وتجعلها قانونية. وتوسعت في التفاصيل الداخلية، لكنها حافظت على الإطار العام الذي سعت إليه كافة الإجراءات والخطط التي وضعت على مدى سنوات مضت.

بلغة الأرقام، هناك نصف مليون عامل وافد مخالف يقيمون على الأرض الأردنية ويمارسون أعمالهم دون تصاريح عمل. وتخفق كل الإجراءات في إقناعهم بقوننة أوضاعهم، رغم اعتبارهم مخالفين ويستحقون التسفير إلى بلادهم بمجرد القبض عليهم من الأجهزة الأمنية. وكما كان يحدث سابقا، فإن الحكومات المتعاقبة تطلق حملاتها الأمنية لملاحقة المخالفين وتسفيرهم، لكنها تتراجع بسبب ضغوطات داخلية وخارجية. ذلك أن العمالة الوافدة مطلوبة إما بسبب مهارتها أو لأسباب أخرى مختلفة.

وكل ما فعلته التعليمات الأخيرة أنها منعت استقدام العمالة الوافدة، لكنها استثنت العمالة المنزلية، والمتخصصة بالغزل والنسيج، حيث تنص الاتفاقيات المبرمة مع الشركات «المؤهلة» على السماح لها باستقدام نسبة من عمالها من دول شرق آسيا. إضافة إلى ما أسمته «العمالة الماهرة». وهي استثناءات من شأنها أن تضعف الترتيبات وتجعلها أشبه بالشكلية في الكثير من جوانبها. وتضع المشروع الحكومي لضبط سوق العمالة الوافدة يدور ضمن حلقة مفرغة، من الصعب تحديد نقطة البداية لإصلاحها.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير